كيف يهدد اعتراف بريطانيا بفلسطين بقطع التعاون الأمني مع إسرائيل؟
في موقف جديد للحكومة البريطانية، وصف رئيس الوزراء، كير ستارمر، الجمعة، خطة إسرائيل "للسيطرة" على مدينة غزة بـ"الخطأ" ودعا حكومة بنيامين نتنياهو إلى "إعادة النظر فورا" بها.
وكان ستارمر أعلن أواخر يوليو أن بريطانيا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ إسرائيل سلسلة خطوات منها وقف إطلاق النار في غزة.
وأتى بيان ستارمر بعد ساعات من موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على خطة طرحها نتنياهو تهدف إلى "السيطرة" على مدينة غزة في شمال القطاع المحاصر الذي يشهد أزمة إنسانية حادّة ودمارا هائلا بعد 22 شهرا من الحرب مع حركة حماس.
وفي نفس السياق، نقلت صحيفة "التايمز" أن إسرائيل تدرس تعليق تعاونها الدفاعي والأمني مع بريطانيا إذا مضى ستارمر قدما في الاعتراف بدولة فلسطينية.
وأفادت مصادر دبلوماسية لصحيفة "التايمز" بأن إسرائيل تدرس هذا الرد كواحد من مجموعة من الخيارات إذا مضت لندن قدمًا في الاعتراف بفلسطين الشهر المقبل.
وحذّر خبراء من أن وقف التعاون الدفاعي والأمني مع بريطانيا سيكون له تداعيات اقتصادية وأمنية جسيمة على كلا البلدين.
فعلى مدار العامين الماضيين، زوّدت الاستخبارات الإسرائيلية وكالات التجسس البريطانية بمعلومات بالغة الأهمية حول التهديدات المدعومة من إيران في المملكة المتحدة، والتي تُشكّل الآن تهديدًا كبيرًا لبريطانيا يُضاهي تهديد روسيا.
فإلى أين قد تؤدي المواجهة بين لندن وإسرائيل في ظل الأوضاع الشائكة في المنطقة؟
ستارمر يدعو إسرائيل إلى "إعادة النظر فورا" بشأن غزة
وصف رئيس الوزراء البريطاني، الجمعة، خطة إسرائيل "للسيطرة" على مدينة غزة بـ"الخطأ" ودعا حكومة نتنياهو إلى "إعادة النظر فورا" بها.
وقال ستارمر إن "قرار الحكومة الإسرائيلية بتصعيد هجومها على غزة خطأ، ونحضها على إعادة النظر بقرارها فورا. هذا العمل لن يساهم إطلاقا في وضع حدّ للنزاع ولن يساعد في ضمان إطلاق سراح الرهائن"، محذرا من أنه "سيؤدي فقط إلى إراقة المزيد من الدماء".
وشدد ستارمر على أنّ "ما نحتاج إليه هو وقف لإطلاق النار، زيادة المساعدة الإنسانية، وتحرير كلّ الرهائن" المحتجزين في القطاع منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، لافتا إلى أن لندن تعمل مع حلفائها على "خطة طويلة الأمد لضمان السلام في المنطقة في إطار حلّ الدولتين".
وتابع، "رسالتنا واضحة: الحلّ الدبلوماسي ممكن، لكن على الطرفين الابتعاد عن مسار التدمير"، مشددا على أن حماس "لا يمكن أن تؤدي أي دور" في مستقبل القطاع الفلسطيني، ويجب أن يتم "نزع سلاحها".
وكان ستارمر أعلن أواخر يوليو أن المملكة المتحدة تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ إسرائيل سلسلة خطوات منها وقف إطلاق النار في غزة.
تهديد إسرائيل بتعليق الاتفاقات الأمنية
وفق المصادر الدبلوماسية، نقلت صحيفة "التايمز" أن حكومة نتنياهو تدرس تعليق الاتفاقات الأمنية والدفاعية كأحد الخيارات المتاحة إذا مضت بريطانيا قدمًا في الاعتراف بفلسطين الشهر المقبل.
وقال مصدر دبلوماسي: "على لندن توخي الحذر لأن بيبي (نتنياهو) ووزراءه لديهم أوراق يمكنهم استخدامها أيضًا. تُقدّر إسرائيل شراكتها مع المملكة المتحدة، لكن القرارات الأخيرة تعني أنها تتعرض لضغوط، والمملكة المتحدة لديها الكثير لتخسره إذا قررت حكومة إسرائيل اتخاذ خطوات ردًا على ذلك".
وحذّر خبراء من أن سحب التعاون الدفاعي والأمني مع بريطانيا ستكون له تداعيات اقتصادية وأمنية جسيمة على كلا البلدين.
وعلى مدار العامين الماضيين، زوّدت المخابرات الإسرائيلية وكالات التجسس البريطانية بمعلومات بالغة الأهمية حول التهديدات المدعومة من إيران في المملكة المتحدة، والتي تُشكّل الآن تهديدًا كبيرًا لبريطانيا بقدر روسيا.
ويُعتقد أن جهاز الموساد الإسرائيلي، قد زوّد نظيرته البريطانية بمعلومات بالغة الأهمية أحبطت مؤامرة مزعومة مرتبطة بإيران على السفارة الإسرائيلية في لندن. وقد أدى ذلك إلى اثنتين من أكبر مداهمات مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة، حيث أُلقي القبض على خمسة رجال على خلفية الخطة المزعومة لاستهداف السفارة في كينسينغتون، غرب لندن.
كما استخدمت المملكة المتحدة طائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع في عمليات المراقبة في العراق وأفغانستان.
وبحسب التايمز فإن التعاون الدفاعي راسخ بين البلدين؛ إذ تبيع الشركات الإسرائيلية أنظمة الأسلحة وقطع الغيار والبرمجيات لشركات بريطانية مثل شركة بي إيه إي. وتتمتع الشركات الإسرائيلية بتكاملٍ عميق في سلاسل توريد صناعة الدفاع البريطانية، وتمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي الشراكة التجارية بين البلدين، والتي تبلغ قيمتها 6 مليارات جنيه إسترليني، وتدعم 38 ألف وظيفة.
يُذكر أن رد فعل إسرائيل كان غاضبًا على قرار ستارمر، متهمةً إياه بمنح حماس "جائزة للإرهاب" بالمضي قدمًا في الاعتراف خارج عملية السلام وقبل إطلاق سراح الرهائن المتبقين.
وأمس الخميس قال نتنياهو يوم إنه ينوي السيطرة على غزة بأكملها، لكنه "لا يريد الاحتفاظ بها"، وذلك خلال اجتماع مع مجلسه الأمني المصغر لمناقشة السيطرة العسكرية الكاملة.
العلاقات البريطانية- الإسرائيلية في أسوأ مراحلها
وفق "التايمز" فإن الحكومة الإسرائيلية منقسمة حول قطع العلاقات مع بريطانيا. ويحذر بعض الوزراء من أن ذلك سيؤثر سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي، وسيؤدي إلى وقف المساعدة التي يقدمها الجيش البريطاني لتسيير طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني فوق غزة للمساعدة في العثور على الرهائن المفقودين.
ويجري تسليم أصول بريطانية أخرى في المنطقة للجيش الإسرائيلي، ما يتيح له الحصول على معلومات آنية عن حركة الأسرى الإسرائيليين.
كما أن وقف التعاون الدفاعي سيكون له تأثير اقتصادي كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، لأن صادراتها تفوق وارداتها بكثير في هذا المجال.
كما تواصل بريطانيا توريد قطع غيار لطائرات إف-35 المقاتلة، رغم تعليق تراخيص تصدير أخرى لإسرائيل، حيث استُخدمت هذه المعدات لارتكاب أو تسهيل انتهاكات للقانون الدولي في غزة.